Sunday, May 19, 2013

ما هي الزينة المقصودة في عبارة "ولا يبدين زينتهن ... " من سورة النور

حينما قلنا أن الأمر بحجاب الحرائر إنما جاء لمقصد أصيل وهو تميز الحرة عن الأمة في الملبس، بحيث أصبحت عورة الحرة في الفقه - استنادا إلى التفاسير وليس بصريح منطوق اللفظ القرآني أو بصريح منطوق حديث للرسول ص - جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين وعورة المسلمة الأمة – نعم المسلمة الأمة التي شهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله – مثل عورة الرجل أي ما بين السرة والركبة ، حينما قلنا بهذا جاءنا من جانب أنصار "فرضية الحجاب" اعتراض في ظاهره وجيه ومنطقي على عدم "إحكام" ما ذهبنا إليه استنادا إلى مجمل تراثنا  الإسلامي الفقهي، و تمثل هذا الاعتراض فيما جاء في الآية الكريمة من سورة النور: ٠
 (النور31): وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون. 0
وهم في اعتراضهم على أطروحة مقصد التفريق بين الحرة والأمة في تشريع الحجاب  يستشهدون بعبارة " ولا يبدين زينتهن إلا ... "  ويذهبون في اعتراضهم إلى أنه لو كان مقصد تشريع الحجاب هو التمييز بين الحرة والأمة فلماذا ذكرت الآية هؤلاء المحارم الذين يحل لهم رؤية زينة المرأة، بينما هناك أقارب آخرون يعرفون بطبيعة الحال أن هذه المرأة حرة ولكنهم لا يسمح لهم برؤية "زينة المرأة" التي هم ينطلقون أن من بينها الشعر، ولو كان مقصد الحجاب هو التفريق بين الحرة والأمة،  فما الحاجة إذن لأن تخفي المرأة عن المحارم غير الأبديين زينتها – ومن بينها الشعر - وهم يعلمون أنها حرة !!!!!0 
الاعتراض يبدو في ظاهرا منطقيا ومحكما ... إلا أن عدم الإلمام بأسرار اللغة العربية في القرآن الكريم هو مرد هذا الاعتراض الذي يبدو مبررا بالفعل. 0
مفتاح حل اللغز أو التناقض الظاهري بين ما ذهبنا إليه وبين ما يفهمه معارضونا من أن الزينة المقصودة هنا من بينها الشعر  هو كلمة "بعولتهن"، إذ من يفهم البعل على معنى "الزوج" سيجانبه حتما الصواب في إدراك مقصود الآية، فلغة القرآن تفرق بين البعل والزوج؛
فالزوج هو الرجل في حال المعاشرة الزوجية الكاملة بما فيها العلاقة الجنسية ، أما البعل فهو الزوج في حال انعدام المعاشرة الجنسية، وإليكم هذه الشواهد من القرآن الكريم: 0
 0 (البقرة 228): والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم 
0 (البعل هنا هو الزوج الذي طلق زوجته رجعيا ولا يحل له معاشرتها) 0
وهو نفس المعنى الذي توضحه في جلاء سورة النساء: 0
(النساء 128): وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا 
0 (البعل هنا أيضا الزوج في حال انقطاع المعاشرة الجنسية) 0
ويؤكد عليه أيضا ما جاء في سورة هود: 0
0 (هود 72) قالت يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء
0 (أي زوجي الذي أانقطع عن معاشرتي) 0
ولو كان في الآيات من سورة النور "البعل" مرادفا للزوج – أي الرجل في حال المعاشرة الزوجية الكاملة – لكان في الآية حاشا لله قصور في التعبير لأن الزوج يرى من زوجته كل شيء - ولكان بالتالي من غير المنطقي والمحكم أن يوضع في خانة واحدة مع المحارم الأبديين الذين يسمح لهم برؤية بعضا من جسد المرأة وليس كله والذي هو من حق الزوج دون غيره. 0
ولذا ذكرت الآية كلمة "البعل"، لتغطي كامل الحالات التي يمكن أن تواجهها المرأة في حياتها الشخصية؛ فالبعل هنا يرى بعض الأشياء ويحظر عليه رؤية بعض الأشياء الأخرى التي يراها الزوج دون البعل مثله في ذلك مثل بقية المحارم الأبديين، فالزينة المقصودة هنا حتى للمرأة الحرة ليست الشعر، بل منطقة الجيب التي تعني – في غالب الآراء - الثديين  وهي المنطقة التي أمرت الآية بإحكام سترها. ولو رجعنا إلى الآية لوضح لنا تماما هذا المعنى لأن هذا التحديد برؤية بعض المحارم لجزء من جسد المرأة جاء بعد ذكر الجيوب مباشرة : "وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ..." 0
أي ولا يبدين زينتهن التي هي منطقة الجيوب إلا لمن سيرد ذكره من المحارم المؤبدين الذين لا يخشى منهم خطر المعاشرة الجنسية
والسؤال هنا الذي لا يخلو من حكمة: لماذا سمح للبعل أن يرى هذه الزينة الباطنة دون بقية المحارم المؤبدين؟ والرأي عندي أن السماح للبعل بأن يرى من زوجته هذه الزينة الباطنة إنما الحكمة فيه هو حثه على الإسراع بإرجاع زوجته ليكون من حقه الاستمتاع بكامل زينة المرأة التي لا يحق سوى للزوج أن يستمع بها دون غيره من البشر. 0
وعليه فإن الزينة المقصودة في الآية الكريمة لا علاقة لها بالشعر ولا بوجوب ستره، بل بما نصت عليه الآية بوجوب ستره على نحو قطعي وهي الجيوب.  0
والله أعلم

2 comments:

  1. و ماذا عن بقية الآية؟ لو كان غير مقصود بكلمة البعل الزوج .. فماذا عن آباء و أبناء بعولتهن؟ أعتقد أن ذكرهم كمحارم يدل أن المقصود بالكلمة هو الزوج فغير منطقي أن يكون المقصود أن آباء و أبناء البعل محارم بينما آباء و أبناء الزوج ليسوا من المحارم .. أنتظر ردك و شكراً

    ReplyDelete
  2. آسف على الرد المتأخر ... لكني لم أفهم السؤال. ماذا تقصد(ين) بأن أبناء الزوج من غير المحارم؟ أبناء الزوج من المحارم حتى لو ولدوا من زوجة أخرى بعض طلاق الزوج من زوجتة الأولى ... فلا ادري أين المشكلة ... أم ربما تسأل(ين) عن شيء آخر؟

    ReplyDelete

نحن هنا نبحث عن الحقيقة ولسنا في عراك، فمن كان يبغي العراك فأدعوه إلى مغادرة المدونة، أما من كان راغبا في البحث عن الحقيقة فأهلا وسهلا به مهما اختلف معنا في الرأي، طالما التزم بثقافة الاختلاف وآدابها. 0