Sunday, July 24, 2011

الحجاب ... تأملات في المحفز الشرطي البصري ونشأة المجتمعات الموازية

هناك مثل انجليزي يقول: تستطيع أن تذهب بالحصان إلى النهر، لكنك لا تستطيع إجباره على الشرب من ماءه. وقد يكون النظام السابق وغيره من المؤثرات من محفزات الاحتقان الطائفي ٬ لكن لولا الاستعداد الذي أصبح موجودا عند مجموع لا بأس به من المسلمين في مصر لرفض الآخر لما كان النظام قد نجح في هذا الأمر ... بلاش نرمي كل حاجة على النظام السابق ... ولنسمي الأشياء بأسمائها ولنبحث بحيادية عما أو عمن ذهب بنا إلى نهر التطرف وجعلنا نشرب أيضا من ماءه !!!!

ومقالي هنا غير معني ببحث الأسباب المختلفة التي أدت إلى صعود المد الديني المتطرف في مصر، فهو حقل فسيح، بل أن ما يهمني هنا هو التقاط أحد الأسباب التي أرى أنها لعبت دورا هاما في تحقيق هذا المد الديني، وأقصد به دور الحجاب – وليس بطبيعة الحال المحجبات - كأحد الوسائل التي تم توظيفها لتحقيق هذا المد، ولإعادة هيكلة الهوية الثقافية والفكرية للمجتمع المصري بتحويله من مجتمع متجانس تعيش وتتعايش به هويات فكرية ودينية مختلفة إلى مجتمع منقسم إلى مجتمعات موازية كثيرة.

هناك وسائل مختلفة لتحقيق الاستعداد النفسي لدى الفرد الاجتماعي، من أهمها بحسب رأيي هو خلق المحفز الشرطي البصري الذي يستدعي – كما يقول لنا علم النفس السلوكي – عند المتلقي تصورات ذهنية معينة بمجرد رؤية شيء بعينه ويؤثر فيه سلوكيا. والحجاب بهذا المفهوم البصري يتميز وظيفيا عن بقية الشعائر الدينية في انه ممتد زمنيا وملحوظ بصريا، بمعنى أن المستخدمة أو المرتدية له تظل في حالة ترافق معه طالما كانت موجودة في المجتمع الخارجي ولا تبدأ في التحرر من حالة التوحد معه إلا عندما تغادر هذا المجتمع الخارجي وتعود إلى مجتمعها الداخلي – ما عدا طبعا الفنانة عفاف شعيب التي في جميع أحوالها في داخل المسلسلات محجبة ٬ سواء في المنزل أو خارجه –.

والحجاب بهذا المفهوم الزمني الممتد والتحفيز البصري يخلق في نفس الوقت شكلا من أشكال التماهي (التوحد) بين الشخص والشيء (أي الحجاب) من ناحية، وبينه وبين المتشابهين معه من مجموع أفراد المجتمع من ناحية أخرى. وقد أسهم الشيوخ في تحقيق ذلك بما قدموه من تفسيرات – ليس هنا المجال المناسب للنظر في صحتها وتفنيدها –؛ فهو تمييز للمسلمة عن غير المسلمة من ناحية، وتمييز الورعة التقية عن المبتذلة الرخيصة من ناحية أخرى – بحسب الخطاب الحجابي الذي شاع في بداية الثمانينات على يد شيوخ عديدين ومن أبرزهم الشعراوي. والحجاب على هذا النحو– على عكس الفروض الدينية الأخرى المؤقتة أي المحددة زمنيا بوقت إقامتها – مستديم الظهور والتواجد بما يجعله مؤهلا للاضطلاع بوظيفة اجتماعية أكبر تأثيرا من أي فرض ديني آخر.

والحجاب من خلال وظيفته كمحفز شرطي بصري أدى إلى ارتباط شرطي بين المرتدية له وبين هويتها الدينية، بحيث يصبح أول ما يقفز إلى ذهنك عند رؤية الحجاب هو أن كل مرتدية للحجاب مسلمة، وأن كل امرأة غير مرتدية له هي في الأصل غير مسلمة، بصرف النظر عن المقدمات المعرفية والدينية المرتبطة بصحة هذا التصور أو الحكم المسبق. ومع الوقت انقسم المجتمع المصري الكبير إلى مجتمعين موازيين ابتداءً ٬ يحكم كل منهما هوية أساسية : إما الإسلام أو المسيحية ٬ تتوارى خلفه الهوية المصرية أو تحتل في أقل درجاتها حدة مرتبة مهمشة أو "محتجبة".

كما أن الحجاب يتميز بميزة أخرى وهي استقطاب المجموع، فهو أمر لا يخص المرأة المسلمة وحدها، بل هو أمر يخص أيضا، وفي المقام الأول، كل الرجال الذين تحت أمرتهم "حريم" هم مسئولون عنه. وهو ما يفسر ربما خفوت دعاوى إطلاق اللحى وتقصير الجلاليب، واحتدام متصل لنقاشات الحجاب في ذات الوقت. فالحجاب يضمن تماما تحقيق هدف تفتيت المجتمع إلى مجتمعات موازية باقتدار، ولا داعي إذن إلى إهدار الجهود في أمور غيره مثل اللحية والجلباب القصير.

ثم تم بعد مرحلة الحجاب تقسيم المقسم إلى مجتمعات موازية عديدة جديدة (المنتقبات مع أخواتهن المنتقبات ٬ المحجبات مع بعضهن ٬ السافرات مع بعضهن٬ السلفيون مع بعضهم، الليبراليون مع بعضهم ٬ العلمانيون مع بعضهم وهكذا٬ مع ملاحظة أن أي اختلاط ما بين المجتمعات الموازية المختلفة لا يتم على أساس الهوية المصرية المشتركة ٬ بل انطلاقا أساسا من الضرورات الاجتماعية وليس بدافع من من رغبات إنسانية في التعايش المشترك). وداء المجتمعات الموازية يتمثل في إنها تتشارك في مساحة جغرافية ٬ لكن لا يجمعها هوية مجتمعية مشتركة كبيرة اسمها الوطن٬ بل يحركها غالبا مصالح معبرة عن هوية المجتمع الموازي المصطبغ هنا أساسا بالهوية الدينية ٬ وهو ما يفسر مثلا اهتمام السلفيين المفرط بقضية كاميليا وعبير وإهمالهم قضايا المجتمع المصري الكبير.

والعيش في مجتمعات موازية لا يؤدي بطبيعة الحال إلى إثراء في الهويات ٬ بل يؤدي حتما إلى تقليصها٬ ومعروف في علوم الاجتماع أن درجة العنف تتناسب عكسيا مع عدد الهويات ٬ فكلما قل عدد هويات الإنسان كلما زاد ميل الفرد الاجتماعي إلى العنف ٬ لأن انحسار عدد الهويات يجعل الهوية الوحيدة الموجودة تأخذ قيمة حدية في البقاء أو الفناء، بما يعني أن المساس بها يعني المساس بذات الإنسان نفسه وبقاءه وهو ما يعني أعلى درجات التهديد التي تحفز لدى الإنسان الميل إلى التحفز بالآخر والعنف ٬ لأنه معروف أيضا في علم النفس العصبي أن الإنسان في حال الخطر والتهديد يفرز ما يطلق عليه هرمونات العراك والشجار تجعل الإنسان على أهبة الاستعداد للتحفز بالآخر وهو أولى خطوات رفض الآخر.

إن العيش في مجتمعات موازية من أهم المخاطر التي تواجه أي مجتمع متمدن ٬ وهو ما يفسر سعي كثير من الدول المتمدنة إلى القضاء على هذه الظاهرة لأن العيش في مجتمعات موازية يؤدي إلى الانفصال عن المجتمع الكبير ويؤدي إلى تصورات ذهنية مفادها أن الآخر في الخارج يعيش على نفس الشاكلة ٬ فإذا تم التواجه مع الآخر – وهو أمر حتمي – فإن هذه المواجهة تأخذ عادة شكل الصدام لأن الفرد الذي كان يعيش في مجتمعه الموازي يشعر فورا بالتهديد على ذاته وبقاءه.

هل عرفتم كيف قادتنا إحدى الطرق إلى نهر التطرف ورفض الآخر ، وإلى أن نشرب من بعض ماءه؟

واللي حضّر الحجاب من ثلاثين سنة يصرف دلوقتي النقاب والتطرف !!!0