Thursday, May 30, 2013

سبب نزول آيات الحجاب وآراء المفسرين فيها

ما هي أسباب النزول وما هي أهميتها؟
 
سبب النزول: هو الواقعة أو السؤال الذي نزلت الآية أو السورة في أعقابه، بيانا له.
 
ونزول القرآن على قسمين: قسم نزل ابتداء (أي غير مرتبط بسبب خاص أو واقعة محددة) وقسم نزل عقب واقعة أو سؤال. أي إثر سبب خاص.
 
وقال القشيري كما في البرهان: بيان سبب النزول طريق قوي من فهم معاني الكتاب العزيز وهو أمر تحصّل للصحابة بقرائن تحتف بالقضايا.
 
وقال ابن دقيق العيد كما في الإتقان: بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن
 
ومنها: الوقوف على المعنى وإزالة الإشكال، قال الواحدي: لا يمكن تعبير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها.
 
وأما فوائد معرفة أسباب النزول فهي كثيرة، منها كما قال السيوطي في الإتقان: معرفة وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم.
 
ومنها: تخصيص الحكم به عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب، ولكن الصحيح أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب إلا اذا وجدت قرينة على تخصيص لفظ الآية العام بسبب نزوله فهذا يجعل الحكم مقصورا على سببه.
 
ومنها: أن اللفظ قد يكون عاما ويقوم الدليل على تخصيصه، فإذا عرف السبب قصر التخصيص على ما عدا صورته، فإن دخول صورة السبب (أي ما شابه السبب الأصلي) قطعي وإخراجها بالاجتهاد ممنوع.
 
وللتوضيح:
 
هناك حديث للرسول ص (أيما إهاب (أي جلد) دُبغ فقد طهر). وقد قاله النبي صلى الله عليه وسلم في شاةٍ ميتة لمولاة للسيدة ميمونة رضي الله عنها، فقال (ألا انتفعتم بإهابها فدبغتموه؟) فقالوا: إنها ميتة، فقال (إنما حَرُمَ أكلها) رواه الجماعة.
 
  •  فعين السبب هنا: هو الشاة الميتة لمولاة السيدة ميمونة يطهر جلدها بالدباغ.
 
  •   ونوع السبب أو صورته: هو كل شاة ميتة فيطهر جلدها بالدباغ.
 
  •  وعموم اللفظ: هو أن جلد كل حيوان يطهر بالدباغ (أيما إهاب) وخرج غير مأكول اللحم من هذا الحكم بدليل آخر.
 
*******************************************
 
الآيتان العمدتان (الرئيستان) في الأمر بالحجاب هما : 0
 
آية الحجاب في سورة الأحزاب
 
الاحزاب (آية:59): يا ايها النبي قل لازواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك ادنى ان يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما
 
آية الخمار في سورة النور: 0
 
النور (آية:31): وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن او ابائهن او اباء بعولتهن او ابنائهن او ابناء بعولتهن او اخوانهن او بني اخوانهن او بني اخواتهن او نسائهن او ما ملكت ايمانهن او التابعين غير اولي الاربه من الرجال او الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بارجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا الى الله جميعا ايها المؤمنون لعلكم تفلحون
 
والراجح أن آيات الحجاب في سورة الأحزاب أقدم من آيات الخمار التي في سورة النور، حيث ابتدأ تشريع الحجاب بسورة الأحزاب، و انتهى بسورة النور.
 
ولا خلاف في أن سورة الأحزاب نزلت عند غزوة الأحزاب في سنة خمس للهجرة. فإن كانت غزوة الأحزاب قبل غزوة بني المصطلق، فمعناه أن أحكام الحجاب في الإسلام بدأت بالتعليمات التي وردت في سورة الأحزاب ثم تممت بالأحكام التي وردت في سورة النور.
 
  *******************************************
 
ما قاله المفسرون القدامى في سبب نزول آيات الحجاب؟ (أي التي من سورة الأحزاب) :0
 
جاء في صفحة 395 من الجزء السادس من كتاب "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" للشنقيطي وهو من أهم كتب تفسير القرآن بالمأثور، في أسباب نزول الآية رقم 59 من سورة الأحزاب وهي الأقدم كما قلنا ما يلي : 0
 
الثالث: أن عامّة المفسّرين من الصحابة فمن بعدهم فسّروا الآية مع بيانهم سبب نزولها، بأن نساء أهل المدينة كن يخرجن بالليل لقضاء حاجتهن خارج البيوت، وكان بالمدينة بعض الفسّاق يتعرّضون للإماء، ولا يتعرّضون للحرائر، وكان بعض نساء المؤمنين يخرجن في زي ليس متميّزًا عن زي الإماء، فيتعرّض لهن أولئك الفساق بالأذى ظنًّا منهم أنهن إماء، فأمر اللَّه نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يتميّزن في زيهن عن زي الإماء، وذلك بأن يدنين عليهن من جلابيبهن، فإذا فعلن ذلك ورآهن الفساق، علموا أنهن حرائر، ومعرفتهم بأنهن حرائر لا إماء هو معنى قوله: {ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ}، فهي معرفة بالصفة لا بالشخص. وهذا التفسير منسجم مع ظاهر القرءان، كما ترى. فقوله: 0
 
{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ}
 
لأن إدنائهن عليهن من جلابيبهن يشعر بأنهن حرائر، فهو أدنى وأقرب لأن يعرفن، أي: يعلم أنهن حرائر، فلا يؤذين من قبل الفساق الذين يتعرّضون للإماء، وهذا هو الذي فسّر به أهل العلم بالتفسير هذه الآية، وهو واضح، وليس المراد منه أن تعرض الفساق للإماء جائز هو حرام، ولا شك أن المتعرضين لهن من الذين في قلوبهم مرض، وأنهم يدخلون في عموم قوله: {وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} (33/06)، في قوله تعالىٰ: {لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ وَٱلْمُرْجِفُونَ فِى ٱلْمَدِينَةِ نَخْسِفْ بِهِمُ}، إلى قوله: {وَقُتّلُواْ تَقْتِيلاً}. 0
 
الشنقيطي، أضواء البيان ، الجزء السادس، ص 395 وما بعده
 
وقد سبق الشيخ محمد الأمين الشنقيطي (17 فبراير 1905 - 10 يناير 1974)، وهو من موريتانيا مفسرون كثيرون قالوا بذلك ومنهم: بن جرير الطبري في جامع البيان ، وأبو بكر الجصاص في أحكام القرآن ، والبغوي في تفسيره معالم التنزيل ، وابن الجوزي في زاد المسير ، والقرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن ، وابن كثير في تفسير القرآن العظيم ، وابن العربي في أحكام القرآن ، والشوكاني في فتح القدير ، وغيرهم من المفسرين.
 
  *******************************************
 
كان سبب نزول آية الحجاب في سورة الأحزاب (التمييز بين الحرة والأمة) من أحد أهم العوامل التي أدت إلى التفريق بينهما في العورة برغم كون الأثنتان مسلمتين على النحو الذي ساد في كتب الفقه الإسلامي على مختلف مذاهبه لقرون عديدة.
 
المرجو مراجعة موضوع عورة الأمة في المذاهب الأربعة
 
 
 

Sunday, May 19, 2013

ما هي الزينة المقصودة في عبارة "ولا يبدين زينتهن ... " من سورة النور

حينما قلنا أن الأمر بحجاب الحرائر إنما جاء لمقصد أصيل وهو تميز الحرة عن الأمة في الملبس، بحيث أصبحت عورة الحرة في الفقه - استنادا إلى التفاسير وليس بصريح منطوق اللفظ القرآني أو بصريح منطوق حديث للرسول ص - جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين وعورة المسلمة الأمة – نعم المسلمة الأمة التي شهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله – مثل عورة الرجل أي ما بين السرة والركبة ، حينما قلنا بهذا جاءنا من جانب أنصار "فرضية الحجاب" اعتراض في ظاهره وجيه ومنطقي على عدم "إحكام" ما ذهبنا إليه استنادا إلى مجمل تراثنا  الإسلامي الفقهي، و تمثل هذا الاعتراض فيما جاء في الآية الكريمة من سورة النور: ٠
 (النور31): وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون. 0
وهم في اعتراضهم على أطروحة مقصد التفريق بين الحرة والأمة في تشريع الحجاب  يستشهدون بعبارة " ولا يبدين زينتهن إلا ... "  ويذهبون في اعتراضهم إلى أنه لو كان مقصد تشريع الحجاب هو التمييز بين الحرة والأمة فلماذا ذكرت الآية هؤلاء المحارم الذين يحل لهم رؤية زينة المرأة، بينما هناك أقارب آخرون يعرفون بطبيعة الحال أن هذه المرأة حرة ولكنهم لا يسمح لهم برؤية "زينة المرأة" التي هم ينطلقون أن من بينها الشعر، ولو كان مقصد الحجاب هو التفريق بين الحرة والأمة،  فما الحاجة إذن لأن تخفي المرأة عن المحارم غير الأبديين زينتها – ومن بينها الشعر - وهم يعلمون أنها حرة !!!!!0 
الاعتراض يبدو في ظاهرا منطقيا ومحكما ... إلا أن عدم الإلمام بأسرار اللغة العربية في القرآن الكريم هو مرد هذا الاعتراض الذي يبدو مبررا بالفعل. 0
مفتاح حل اللغز أو التناقض الظاهري بين ما ذهبنا إليه وبين ما يفهمه معارضونا من أن الزينة المقصودة هنا من بينها الشعر  هو كلمة "بعولتهن"، إذ من يفهم البعل على معنى "الزوج" سيجانبه حتما الصواب في إدراك مقصود الآية، فلغة القرآن تفرق بين البعل والزوج؛
فالزوج هو الرجل في حال المعاشرة الزوجية الكاملة بما فيها العلاقة الجنسية ، أما البعل فهو الزوج في حال انعدام المعاشرة الجنسية، وإليكم هذه الشواهد من القرآن الكريم: 0
 0 (البقرة 228): والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم 
0 (البعل هنا هو الزوج الذي طلق زوجته رجعيا ولا يحل له معاشرتها) 0
وهو نفس المعنى الذي توضحه في جلاء سورة النساء: 0
(النساء 128): وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا 
0 (البعل هنا أيضا الزوج في حال انقطاع المعاشرة الجنسية) 0
ويؤكد عليه أيضا ما جاء في سورة هود: 0
0 (هود 72) قالت يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء
0 (أي زوجي الذي أانقطع عن معاشرتي) 0
ولو كان في الآيات من سورة النور "البعل" مرادفا للزوج – أي الرجل في حال المعاشرة الزوجية الكاملة – لكان في الآية حاشا لله قصور في التعبير لأن الزوج يرى من زوجته كل شيء - ولكان بالتالي من غير المنطقي والمحكم أن يوضع في خانة واحدة مع المحارم الأبديين الذين يسمح لهم برؤية بعضا من جسد المرأة وليس كله والذي هو من حق الزوج دون غيره. 0
ولذا ذكرت الآية كلمة "البعل"، لتغطي كامل الحالات التي يمكن أن تواجهها المرأة في حياتها الشخصية؛ فالبعل هنا يرى بعض الأشياء ويحظر عليه رؤية بعض الأشياء الأخرى التي يراها الزوج دون البعل مثله في ذلك مثل بقية المحارم الأبديين، فالزينة المقصودة هنا حتى للمرأة الحرة ليست الشعر، بل منطقة الجيب التي تعني – في غالب الآراء - الثديين  وهي المنطقة التي أمرت الآية بإحكام سترها. ولو رجعنا إلى الآية لوضح لنا تماما هذا المعنى لأن هذا التحديد برؤية بعض المحارم لجزء من جسد المرأة جاء بعد ذكر الجيوب مباشرة : "وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ..." 0
أي ولا يبدين زينتهن التي هي منطقة الجيوب إلا لمن سيرد ذكره من المحارم المؤبدين الذين لا يخشى منهم خطر المعاشرة الجنسية
والسؤال هنا الذي لا يخلو من حكمة: لماذا سمح للبعل أن يرى هذه الزينة الباطنة دون بقية المحارم المؤبدين؟ والرأي عندي أن السماح للبعل بأن يرى من زوجته هذه الزينة الباطنة إنما الحكمة فيه هو حثه على الإسراع بإرجاع زوجته ليكون من حقه الاستمتاع بكامل زينة المرأة التي لا يحق سوى للزوج أن يستمع بها دون غيره من البشر. 0
وعليه فإن الزينة المقصودة في الآية الكريمة لا علاقة لها بالشعر ولا بوجوب ستره، بل بما نصت عليه الآية بوجوب ستره على نحو قطعي وهي الجيوب.  0
والله أعلم