Thursday, May 30, 2013

سبب نزول آيات الحجاب وآراء المفسرين فيها

ما هي أسباب النزول وما هي أهميتها؟
 
سبب النزول: هو الواقعة أو السؤال الذي نزلت الآية أو السورة في أعقابه، بيانا له.
 
ونزول القرآن على قسمين: قسم نزل ابتداء (أي غير مرتبط بسبب خاص أو واقعة محددة) وقسم نزل عقب واقعة أو سؤال. أي إثر سبب خاص.
 
وقال القشيري كما في البرهان: بيان سبب النزول طريق قوي من فهم معاني الكتاب العزيز وهو أمر تحصّل للصحابة بقرائن تحتف بالقضايا.
 
وقال ابن دقيق العيد كما في الإتقان: بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن
 
ومنها: الوقوف على المعنى وإزالة الإشكال، قال الواحدي: لا يمكن تعبير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها.
 
وأما فوائد معرفة أسباب النزول فهي كثيرة، منها كما قال السيوطي في الإتقان: معرفة وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم.
 
ومنها: تخصيص الحكم به عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب، ولكن الصحيح أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب إلا اذا وجدت قرينة على تخصيص لفظ الآية العام بسبب نزوله فهذا يجعل الحكم مقصورا على سببه.
 
ومنها: أن اللفظ قد يكون عاما ويقوم الدليل على تخصيصه، فإذا عرف السبب قصر التخصيص على ما عدا صورته، فإن دخول صورة السبب (أي ما شابه السبب الأصلي) قطعي وإخراجها بالاجتهاد ممنوع.
 
وللتوضيح:
 
هناك حديث للرسول ص (أيما إهاب (أي جلد) دُبغ فقد طهر). وقد قاله النبي صلى الله عليه وسلم في شاةٍ ميتة لمولاة للسيدة ميمونة رضي الله عنها، فقال (ألا انتفعتم بإهابها فدبغتموه؟) فقالوا: إنها ميتة، فقال (إنما حَرُمَ أكلها) رواه الجماعة.
 
  •  فعين السبب هنا: هو الشاة الميتة لمولاة السيدة ميمونة يطهر جلدها بالدباغ.
 
  •   ونوع السبب أو صورته: هو كل شاة ميتة فيطهر جلدها بالدباغ.
 
  •  وعموم اللفظ: هو أن جلد كل حيوان يطهر بالدباغ (أيما إهاب) وخرج غير مأكول اللحم من هذا الحكم بدليل آخر.
 
*******************************************
 
الآيتان العمدتان (الرئيستان) في الأمر بالحجاب هما : 0
 
آية الحجاب في سورة الأحزاب
 
الاحزاب (آية:59): يا ايها النبي قل لازواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك ادنى ان يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما
 
آية الخمار في سورة النور: 0
 
النور (آية:31): وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن او ابائهن او اباء بعولتهن او ابنائهن او ابناء بعولتهن او اخوانهن او بني اخوانهن او بني اخواتهن او نسائهن او ما ملكت ايمانهن او التابعين غير اولي الاربه من الرجال او الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بارجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا الى الله جميعا ايها المؤمنون لعلكم تفلحون
 
والراجح أن آيات الحجاب في سورة الأحزاب أقدم من آيات الخمار التي في سورة النور، حيث ابتدأ تشريع الحجاب بسورة الأحزاب، و انتهى بسورة النور.
 
ولا خلاف في أن سورة الأحزاب نزلت عند غزوة الأحزاب في سنة خمس للهجرة. فإن كانت غزوة الأحزاب قبل غزوة بني المصطلق، فمعناه أن أحكام الحجاب في الإسلام بدأت بالتعليمات التي وردت في سورة الأحزاب ثم تممت بالأحكام التي وردت في سورة النور.
 
  *******************************************
 
ما قاله المفسرون القدامى في سبب نزول آيات الحجاب؟ (أي التي من سورة الأحزاب) :0
 
جاء في صفحة 395 من الجزء السادس من كتاب "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" للشنقيطي وهو من أهم كتب تفسير القرآن بالمأثور، في أسباب نزول الآية رقم 59 من سورة الأحزاب وهي الأقدم كما قلنا ما يلي : 0
 
الثالث: أن عامّة المفسّرين من الصحابة فمن بعدهم فسّروا الآية مع بيانهم سبب نزولها، بأن نساء أهل المدينة كن يخرجن بالليل لقضاء حاجتهن خارج البيوت، وكان بالمدينة بعض الفسّاق يتعرّضون للإماء، ولا يتعرّضون للحرائر، وكان بعض نساء المؤمنين يخرجن في زي ليس متميّزًا عن زي الإماء، فيتعرّض لهن أولئك الفساق بالأذى ظنًّا منهم أنهن إماء، فأمر اللَّه نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يتميّزن في زيهن عن زي الإماء، وذلك بأن يدنين عليهن من جلابيبهن، فإذا فعلن ذلك ورآهن الفساق، علموا أنهن حرائر، ومعرفتهم بأنهن حرائر لا إماء هو معنى قوله: {ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ}، فهي معرفة بالصفة لا بالشخص. وهذا التفسير منسجم مع ظاهر القرءان، كما ترى. فقوله: 0
 
{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ}
 
لأن إدنائهن عليهن من جلابيبهن يشعر بأنهن حرائر، فهو أدنى وأقرب لأن يعرفن، أي: يعلم أنهن حرائر، فلا يؤذين من قبل الفساق الذين يتعرّضون للإماء، وهذا هو الذي فسّر به أهل العلم بالتفسير هذه الآية، وهو واضح، وليس المراد منه أن تعرض الفساق للإماء جائز هو حرام، ولا شك أن المتعرضين لهن من الذين في قلوبهم مرض، وأنهم يدخلون في عموم قوله: {وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} (33/06)، في قوله تعالىٰ: {لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ وَٱلْمُرْجِفُونَ فِى ٱلْمَدِينَةِ نَخْسِفْ بِهِمُ}، إلى قوله: {وَقُتّلُواْ تَقْتِيلاً}. 0
 
الشنقيطي، أضواء البيان ، الجزء السادس، ص 395 وما بعده
 
وقد سبق الشيخ محمد الأمين الشنقيطي (17 فبراير 1905 - 10 يناير 1974)، وهو من موريتانيا مفسرون كثيرون قالوا بذلك ومنهم: بن جرير الطبري في جامع البيان ، وأبو بكر الجصاص في أحكام القرآن ، والبغوي في تفسيره معالم التنزيل ، وابن الجوزي في زاد المسير ، والقرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن ، وابن كثير في تفسير القرآن العظيم ، وابن العربي في أحكام القرآن ، والشوكاني في فتح القدير ، وغيرهم من المفسرين.
 
  *******************************************
 
كان سبب نزول آية الحجاب في سورة الأحزاب (التمييز بين الحرة والأمة) من أحد أهم العوامل التي أدت إلى التفريق بينهما في العورة برغم كون الأثنتان مسلمتين على النحو الذي ساد في كتب الفقه الإسلامي على مختلف مذاهبه لقرون عديدة.
 
المرجو مراجعة موضوع عورة الأمة في المذاهب الأربعة
 
 
 

Sunday, May 19, 2013

ما هي الزينة المقصودة في عبارة "ولا يبدين زينتهن ... " من سورة النور

حينما قلنا أن الأمر بحجاب الحرائر إنما جاء لمقصد أصيل وهو تميز الحرة عن الأمة في الملبس، بحيث أصبحت عورة الحرة في الفقه - استنادا إلى التفاسير وليس بصريح منطوق اللفظ القرآني أو بصريح منطوق حديث للرسول ص - جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين وعورة المسلمة الأمة – نعم المسلمة الأمة التي شهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله – مثل عورة الرجل أي ما بين السرة والركبة ، حينما قلنا بهذا جاءنا من جانب أنصار "فرضية الحجاب" اعتراض في ظاهره وجيه ومنطقي على عدم "إحكام" ما ذهبنا إليه استنادا إلى مجمل تراثنا  الإسلامي الفقهي، و تمثل هذا الاعتراض فيما جاء في الآية الكريمة من سورة النور: ٠
 (النور31): وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون. 0
وهم في اعتراضهم على أطروحة مقصد التفريق بين الحرة والأمة في تشريع الحجاب  يستشهدون بعبارة " ولا يبدين زينتهن إلا ... "  ويذهبون في اعتراضهم إلى أنه لو كان مقصد تشريع الحجاب هو التمييز بين الحرة والأمة فلماذا ذكرت الآية هؤلاء المحارم الذين يحل لهم رؤية زينة المرأة، بينما هناك أقارب آخرون يعرفون بطبيعة الحال أن هذه المرأة حرة ولكنهم لا يسمح لهم برؤية "زينة المرأة" التي هم ينطلقون أن من بينها الشعر، ولو كان مقصد الحجاب هو التفريق بين الحرة والأمة،  فما الحاجة إذن لأن تخفي المرأة عن المحارم غير الأبديين زينتها – ومن بينها الشعر - وهم يعلمون أنها حرة !!!!!0 
الاعتراض يبدو في ظاهرا منطقيا ومحكما ... إلا أن عدم الإلمام بأسرار اللغة العربية في القرآن الكريم هو مرد هذا الاعتراض الذي يبدو مبررا بالفعل. 0
مفتاح حل اللغز أو التناقض الظاهري بين ما ذهبنا إليه وبين ما يفهمه معارضونا من أن الزينة المقصودة هنا من بينها الشعر  هو كلمة "بعولتهن"، إذ من يفهم البعل على معنى "الزوج" سيجانبه حتما الصواب في إدراك مقصود الآية، فلغة القرآن تفرق بين البعل والزوج؛
فالزوج هو الرجل في حال المعاشرة الزوجية الكاملة بما فيها العلاقة الجنسية ، أما البعل فهو الزوج في حال انعدام المعاشرة الجنسية، وإليكم هذه الشواهد من القرآن الكريم: 0
 0 (البقرة 228): والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم 
0 (البعل هنا هو الزوج الذي طلق زوجته رجعيا ولا يحل له معاشرتها) 0
وهو نفس المعنى الذي توضحه في جلاء سورة النساء: 0
(النساء 128): وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا 
0 (البعل هنا أيضا الزوج في حال انقطاع المعاشرة الجنسية) 0
ويؤكد عليه أيضا ما جاء في سورة هود: 0
0 (هود 72) قالت يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء
0 (أي زوجي الذي أانقطع عن معاشرتي) 0
ولو كان في الآيات من سورة النور "البعل" مرادفا للزوج – أي الرجل في حال المعاشرة الزوجية الكاملة – لكان في الآية حاشا لله قصور في التعبير لأن الزوج يرى من زوجته كل شيء - ولكان بالتالي من غير المنطقي والمحكم أن يوضع في خانة واحدة مع المحارم الأبديين الذين يسمح لهم برؤية بعضا من جسد المرأة وليس كله والذي هو من حق الزوج دون غيره. 0
ولذا ذكرت الآية كلمة "البعل"، لتغطي كامل الحالات التي يمكن أن تواجهها المرأة في حياتها الشخصية؛ فالبعل هنا يرى بعض الأشياء ويحظر عليه رؤية بعض الأشياء الأخرى التي يراها الزوج دون البعل مثله في ذلك مثل بقية المحارم الأبديين، فالزينة المقصودة هنا حتى للمرأة الحرة ليست الشعر، بل منطقة الجيب التي تعني – في غالب الآراء - الثديين  وهي المنطقة التي أمرت الآية بإحكام سترها. ولو رجعنا إلى الآية لوضح لنا تماما هذا المعنى لأن هذا التحديد برؤية بعض المحارم لجزء من جسد المرأة جاء بعد ذكر الجيوب مباشرة : "وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ..." 0
أي ولا يبدين زينتهن التي هي منطقة الجيوب إلا لمن سيرد ذكره من المحارم المؤبدين الذين لا يخشى منهم خطر المعاشرة الجنسية
والسؤال هنا الذي لا يخلو من حكمة: لماذا سمح للبعل أن يرى هذه الزينة الباطنة دون بقية المحارم المؤبدين؟ والرأي عندي أن السماح للبعل بأن يرى من زوجته هذه الزينة الباطنة إنما الحكمة فيه هو حثه على الإسراع بإرجاع زوجته ليكون من حقه الاستمتاع بكامل زينة المرأة التي لا يحق سوى للزوج أن يستمع بها دون غيره من البشر. 0
وعليه فإن الزينة المقصودة في الآية الكريمة لا علاقة لها بالشعر ولا بوجوب ستره، بل بما نصت عليه الآية بوجوب ستره على نحو قطعي وهي الجيوب.  0
والله أعلم

Sunday, July 24, 2011

الحجاب ... تأملات في المحفز الشرطي البصري ونشأة المجتمعات الموازية

هناك مثل انجليزي يقول: تستطيع أن تذهب بالحصان إلى النهر، لكنك لا تستطيع إجباره على الشرب من ماءه. وقد يكون النظام السابق وغيره من المؤثرات من محفزات الاحتقان الطائفي ٬ لكن لولا الاستعداد الذي أصبح موجودا عند مجموع لا بأس به من المسلمين في مصر لرفض الآخر لما كان النظام قد نجح في هذا الأمر ... بلاش نرمي كل حاجة على النظام السابق ... ولنسمي الأشياء بأسمائها ولنبحث بحيادية عما أو عمن ذهب بنا إلى نهر التطرف وجعلنا نشرب أيضا من ماءه !!!!

ومقالي هنا غير معني ببحث الأسباب المختلفة التي أدت إلى صعود المد الديني المتطرف في مصر، فهو حقل فسيح، بل أن ما يهمني هنا هو التقاط أحد الأسباب التي أرى أنها لعبت دورا هاما في تحقيق هذا المد الديني، وأقصد به دور الحجاب – وليس بطبيعة الحال المحجبات - كأحد الوسائل التي تم توظيفها لتحقيق هذا المد، ولإعادة هيكلة الهوية الثقافية والفكرية للمجتمع المصري بتحويله من مجتمع متجانس تعيش وتتعايش به هويات فكرية ودينية مختلفة إلى مجتمع منقسم إلى مجتمعات موازية كثيرة.

هناك وسائل مختلفة لتحقيق الاستعداد النفسي لدى الفرد الاجتماعي، من أهمها بحسب رأيي هو خلق المحفز الشرطي البصري الذي يستدعي – كما يقول لنا علم النفس السلوكي – عند المتلقي تصورات ذهنية معينة بمجرد رؤية شيء بعينه ويؤثر فيه سلوكيا. والحجاب بهذا المفهوم البصري يتميز وظيفيا عن بقية الشعائر الدينية في انه ممتد زمنيا وملحوظ بصريا، بمعنى أن المستخدمة أو المرتدية له تظل في حالة ترافق معه طالما كانت موجودة في المجتمع الخارجي ولا تبدأ في التحرر من حالة التوحد معه إلا عندما تغادر هذا المجتمع الخارجي وتعود إلى مجتمعها الداخلي – ما عدا طبعا الفنانة عفاف شعيب التي في جميع أحوالها في داخل المسلسلات محجبة ٬ سواء في المنزل أو خارجه –.

والحجاب بهذا المفهوم الزمني الممتد والتحفيز البصري يخلق في نفس الوقت شكلا من أشكال التماهي (التوحد) بين الشخص والشيء (أي الحجاب) من ناحية، وبينه وبين المتشابهين معه من مجموع أفراد المجتمع من ناحية أخرى. وقد أسهم الشيوخ في تحقيق ذلك بما قدموه من تفسيرات – ليس هنا المجال المناسب للنظر في صحتها وتفنيدها –؛ فهو تمييز للمسلمة عن غير المسلمة من ناحية، وتمييز الورعة التقية عن المبتذلة الرخيصة من ناحية أخرى – بحسب الخطاب الحجابي الذي شاع في بداية الثمانينات على يد شيوخ عديدين ومن أبرزهم الشعراوي. والحجاب على هذا النحو– على عكس الفروض الدينية الأخرى المؤقتة أي المحددة زمنيا بوقت إقامتها – مستديم الظهور والتواجد بما يجعله مؤهلا للاضطلاع بوظيفة اجتماعية أكبر تأثيرا من أي فرض ديني آخر.

والحجاب من خلال وظيفته كمحفز شرطي بصري أدى إلى ارتباط شرطي بين المرتدية له وبين هويتها الدينية، بحيث يصبح أول ما يقفز إلى ذهنك عند رؤية الحجاب هو أن كل مرتدية للحجاب مسلمة، وأن كل امرأة غير مرتدية له هي في الأصل غير مسلمة، بصرف النظر عن المقدمات المعرفية والدينية المرتبطة بصحة هذا التصور أو الحكم المسبق. ومع الوقت انقسم المجتمع المصري الكبير إلى مجتمعين موازيين ابتداءً ٬ يحكم كل منهما هوية أساسية : إما الإسلام أو المسيحية ٬ تتوارى خلفه الهوية المصرية أو تحتل في أقل درجاتها حدة مرتبة مهمشة أو "محتجبة".

كما أن الحجاب يتميز بميزة أخرى وهي استقطاب المجموع، فهو أمر لا يخص المرأة المسلمة وحدها، بل هو أمر يخص أيضا، وفي المقام الأول، كل الرجال الذين تحت أمرتهم "حريم" هم مسئولون عنه. وهو ما يفسر ربما خفوت دعاوى إطلاق اللحى وتقصير الجلاليب، واحتدام متصل لنقاشات الحجاب في ذات الوقت. فالحجاب يضمن تماما تحقيق هدف تفتيت المجتمع إلى مجتمعات موازية باقتدار، ولا داعي إذن إلى إهدار الجهود في أمور غيره مثل اللحية والجلباب القصير.

ثم تم بعد مرحلة الحجاب تقسيم المقسم إلى مجتمعات موازية عديدة جديدة (المنتقبات مع أخواتهن المنتقبات ٬ المحجبات مع بعضهن ٬ السافرات مع بعضهن٬ السلفيون مع بعضهم، الليبراليون مع بعضهم ٬ العلمانيون مع بعضهم وهكذا٬ مع ملاحظة أن أي اختلاط ما بين المجتمعات الموازية المختلفة لا يتم على أساس الهوية المصرية المشتركة ٬ بل انطلاقا أساسا من الضرورات الاجتماعية وليس بدافع من من رغبات إنسانية في التعايش المشترك). وداء المجتمعات الموازية يتمثل في إنها تتشارك في مساحة جغرافية ٬ لكن لا يجمعها هوية مجتمعية مشتركة كبيرة اسمها الوطن٬ بل يحركها غالبا مصالح معبرة عن هوية المجتمع الموازي المصطبغ هنا أساسا بالهوية الدينية ٬ وهو ما يفسر مثلا اهتمام السلفيين المفرط بقضية كاميليا وعبير وإهمالهم قضايا المجتمع المصري الكبير.

والعيش في مجتمعات موازية لا يؤدي بطبيعة الحال إلى إثراء في الهويات ٬ بل يؤدي حتما إلى تقليصها٬ ومعروف في علوم الاجتماع أن درجة العنف تتناسب عكسيا مع عدد الهويات ٬ فكلما قل عدد هويات الإنسان كلما زاد ميل الفرد الاجتماعي إلى العنف ٬ لأن انحسار عدد الهويات يجعل الهوية الوحيدة الموجودة تأخذ قيمة حدية في البقاء أو الفناء، بما يعني أن المساس بها يعني المساس بذات الإنسان نفسه وبقاءه وهو ما يعني أعلى درجات التهديد التي تحفز لدى الإنسان الميل إلى التحفز بالآخر والعنف ٬ لأنه معروف أيضا في علم النفس العصبي أن الإنسان في حال الخطر والتهديد يفرز ما يطلق عليه هرمونات العراك والشجار تجعل الإنسان على أهبة الاستعداد للتحفز بالآخر وهو أولى خطوات رفض الآخر.

إن العيش في مجتمعات موازية من أهم المخاطر التي تواجه أي مجتمع متمدن ٬ وهو ما يفسر سعي كثير من الدول المتمدنة إلى القضاء على هذه الظاهرة لأن العيش في مجتمعات موازية يؤدي إلى الانفصال عن المجتمع الكبير ويؤدي إلى تصورات ذهنية مفادها أن الآخر في الخارج يعيش على نفس الشاكلة ٬ فإذا تم التواجه مع الآخر – وهو أمر حتمي – فإن هذه المواجهة تأخذ عادة شكل الصدام لأن الفرد الذي كان يعيش في مجتمعه الموازي يشعر فورا بالتهديد على ذاته وبقاءه.

هل عرفتم كيف قادتنا إحدى الطرق إلى نهر التطرف ورفض الآخر ، وإلى أن نشرب من بعض ماءه؟

واللي حضّر الحجاب من ثلاثين سنة يصرف دلوقتي النقاب والتطرف !!!0

Monday, March 15, 2010

الاحتشام وليس الحجاب، هكذا كانت المسميات الصحيحة قبل هجمة الفقه الوهابي علينا أو لماذا غاب صوت السيد سابق



الشيخ السيد سابق أحد أبرز علماء الأزهر، وهو من خريجي كلية الشريعة وكان على اتصال بالإمام حسن البنا، وعضوًا في جماعة (الإخوان المسلمين) منذ ان كان طالبًا. شغل الشيخ السيد سابق منصب مدير إدارة الثقافة في وزارة الأوقاف في عهد وزير الأوقاف المعروف الشيخ أحمد حسن الباقوري.

في عام 1413هـ (1992 م) حصل الشيخ على جائزة الملك فيصل في الفقه الإسلامي. وفي يوم 27/2/2000 م توفى الشيخ السيد سابق عن عمر ناهز 85 سنة.

ولذا ما يكتبه هذا الرجل ليس بمطعون في صدقيته وله قيمة فقهية لا يستطيع أحد التشكيك فيها.

تعالوا نقرأ ما كتبه السيد سابق في كتابه الذي كان الكتاب الأشهر في فقه السنة ويحمل نفس الاسم "فقه السنة". كتب هذا الجزء من كتاب فقه السنة للشيخ السيد سابق ربما في عام 1963 أو 1964، أي بعيد إلغاء الرق في السعودية في عام 1962، أي في وقت كان الفقه المصري لم يقع بعد تحت تأثير الفقه الوهابي الذي بدأ يوطد أقدامه في مصر على أثر توافد العمالة المصرية ورجال الدين المصريين على السعودية في السبعينيات وهو التأثير الذي بلغ قمته مع بداية الثمانينات 0

كتب السيد سابق حيث ذكر تحت عنوان "التبرج" (الجزء الثاني ص 134 فما بعدها) يقول: 0


وإذا كان اتخاذ الملابس لازما من لوازم الإنسان الراقي ٬ فإنه بالنسبة للمرأة ألزم ٬ لأنه هو الحفاظ الذي يحفظ عليها دينها وشرفها وعفافها وحياءها. وهذه الصفات ألصق بالمرأة ٬ وأولى بها من الرجل ٬ ومن ثم كانت الحشمة أولى بها وأحق. إن أعز ما تملكه المرأة ٬ الشرف ٬ والحياء ٬ والعفاف ٬ والمحافظة على هذه الفضائل محافظة على إنسانية المرأة في أسمى صورها ٬ وليس من صالح المرأة ٬ ولا من صالح المجتمع أن تتخلى المرأة عن الصيانة والاحتشام ...0


(الاحتشام !!!!!!!!!!!، لا حجاب ولا فريضة ، بل فقط الاحتشام !!!!!!0)


ثم يكمل الشيخ قائلا تحت عنوان "سبب هذا الانحراف" : 0

قد سبب الجهل والتقليد الأعمى الانحراف عن هذا الخط المستقيم ٬ وجاء الاستعمار فنفخ فيه وأوصله إلى غايته ومداه٬ وأصبح من المعتاد أن يجد المسلم المرأة المسلمة متبذلة ٬ عارضة مفاتنها ٬ خارجة في زينتها ٬ كاشفة عن صدرها ونحرها وظهرها وذراعها وساقها . ولا تجد أي ٬ غضاضة في قص شعرها ٬ بل تجد من الضروري وضع الأصباغ والمساحيق والتطيب بالطيب واختيار الملابس المغرية وأصبح " لموضات " الأزياء مواسم خاصة يعرض فيها كل لون من ألوان الإغراء والإثارة . وتجد المرأة من مفاخرها ٬ ومن مظاهر رقيها أن ترتاد أماكن الفجور والفسق والمراقص والملاهي ٬ والمسارح والسينما ٬ والملاعب والأندية والقهاوي . وتبلغ منتهى هبوطها في المصايف وعلى البلاج . وأصبح من المألوف أن تعقد مسابقات الجمال تبرز فيها المرأة أمام الرجل ٬ ويوضع تحت الاختبار كل جزء من بدنها ٬ ويقاس كل عضو من أعضائها على مرأى ومسمع من المتفرجين والمتفرجات ٬ والعابثين والعابثات . وللصحف وغيرها من أدوات الأعلام ٬ مجال واسع في تشجيع هذه السخافات ٬ والتغرير بالمرأة للوصول إلى المستوى الحيواني الرخيص ٬ كما أن لتجار الأزياء دو خطيرا في هذا الإسفاف . انتهي كلام السيد سابق

وربما من المفيد أن نتوقف عن تلك العبارة: 0

*******************************************************************
فأصبح من المعتاد أن يجد المسلم المرأة المسلمة ٬ متبذلة ٬ عارضة مفاتنها ٬ خارجة في زينتها ٬ كاشفة عن صدرها ونحرها وظهرها وذراعها وساقها . ولا تجد أي غضاضة في قص شعرها

*******************************************************************

كما يظهر من هذا المقطع فإن الشيخ لم يستنكر كشف المرأة لشعرها، بل استنكر فقط فيما يخص شعر المرأة أن تقوم بقص شعرها بشكل مبالغ فيه.

ولو كان ستر الشعر من بين واجبات فقه المرأة كما يعرضه الشيخ السيد سابق لما تردد الشيخ في ذكر الشعر من بين ما ذكره مما كانت المرأة تكشفه وكان مثار انتقاده ٬ ولكنه سكت عن الشعر تماما ٬ لأنه كان يعرف جيدا أن ستر الشعر بالخمار أو غيره كان معللا بعلة وجود الإماء والرق وقد انتفى الحكم لانتفاء علته، خصوصا أن الشيخ سيد قطب، فقيه جماعة الأخوان المسلمين التي كان ينتمي إليها الشيخ السيد سابق في شبابه قال بهذا الأمر صراحة سببا في نزول آية "أدنى أن يعرفن فلا يؤذين" في تفسيره - أي سيد قطب - المعروف باسم "في ظلال القرآن" !!!!!!!!!!!!!!!!! 0

بالمناسبة من يقرأ الصفحات التي قبل هذا الموضوع من كتاب الشيخ السيد سابق سيجد أن الشيخ يسمي الأشياء بأسمائها فتجده يتحدث عن الاحتشام دون أن يستعمل مرة واحدة كلمة "فريضة" أو "حجاب" على النحو الذي عهدناه بعد ذلك في مطلع الثمانينات. الرجل يتحدث إذن بشكل لا لبس فيه عن الاحتشام والحياء ٬ ولم يحدد مواصفات "الزي الشرعي" الذي يجب على المرأة ارتداءه ٬ ولم يشر إلى ستر الشعر في أي موضع من كتابه بكلمة واحدة اللهم إلا في الصلاة – لأن الصلاة طقس تعبدي – ، مع أنه استشهد بنفس الآيات التي يستشهد بها فقهاء الحجاب اليوم - ولم يذكر في أي صفحة من صفحات كتابه أن "الحجاب" فريضة ٬ كما يحدث اليوم ٬ وهو أمر لم يبدأ إلا على يد الفقهاء الوهابين بعد إلغاء الرق ٬ وكل ما طالب به الرجل المرأة في كتابه إنما كان يصب في باب الاحتشام ٬ وهو الباب الذي لا يطالب أحد بغلقه !!!!!!!!!!! 0


Thursday, August 20, 2009

إنه باب جهنم لو تعرفون !!!!0 أعلنوا الحقائق كاملة ودعوا للمرأة القرار (2

ربما لا يعرف كثيرون ان غالبية من أنكر صحة أمر التفريق الفقهي بين عورة الحرة وعورة الأمة قد استند في هذا إلى كتاب "جلباب المرأة المسلمة" للألباني، وقد صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب في عام 1951، أي قبل نحو عشر سنوات فقط من إلغاء الرق في السعودية في عام 1962، أي حينما كان يلوح في الافق بوادر إلغاء الرق في السعودية نظرا لما اتخذته المملكة من اجراءات تحد من الاتجار بالرقيق إلى آخره.
لمعرفة المزيد عن الرق في السعودية وقراءة مرسوم إلغاء الرق: 0

http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Denia9/Alrek/sec09.doc_cvt.htm

ولأن الضغوط الدولية على السعودية كانت أقوى من أن تستطيع المماطلة أكثر من هذا في إلغاء الرق، فقد اضطر رئيس الوزراء السعودي إلى اتخاذ قرار سيادي بالغاء الرق في ظل معارضة شديدة جدا من رجال الدين؟ لماذا؟ لأن رجال الدين كانوا يعرفون أن ما استقر عليه جمهور فقهاء الإسلام هو أن علة الحكم بالحجاب كانت هي الرق وأن مقصد الحكم بالحجاب كان هو التمييز بين الحرة والأمة.

وكان لا بد من التعامل مع تلك الإشكالية الفقهية - إذ أن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما - والتي كانت ستعني انتفاء الأمر بارتداء الحجاب و"تحجيب المرأة" أيضا ، ولذلك تفتق ذهن الشيخ الألباني، بما له من باع طويل في التعامل مع الأحاديث وتخريجها إلى أمر خطير جدا، وهو يتمثل ببساطة في تضعيف كل الأحاديث المتعلقة بأسباب نزول آية الجلاليب في سورة الأحزاب، وبالتالي اثبات "خطأ التفريق بين عورة الحرة وعورة الأمة" بأثر رجعي، بعد استقرار على هذا التفريق استمر منذ السنة الخامسة الهجرية وهي السنة التي نزلت فيها سورة الأحزاب - بحسب أرجح الأقوال - وحتى عام (1382 هـ أي عام 1962 م، أي انه قام بخطوة غير مسبوقة في الفقه الإسلامي وهو تحويل الحكم بالحجاب من حكم معلل أو ما يطلق عليه بلغة أهل الفقه حكم معقول المعنى ، إلى حكم تعبدي لا علة له أي تلك الأحكام التي لا نعرف مناسبة بين فعلها والحكم المترتب عليها !!!!0

وقد يسأل سائل: واين الدليل على هذا؟ إليكم ما كتبه الألباني في كتابه جلباب المرأة المسلمة (ص 93) للألباني وقد صدرت الطبعة الأولى منه في عام 1951 كما قلنا أي حينما كان أمر إلغاء الرق يلوح في الأفق لما اتخذته المملكة من تدابير بمنع استيراد الجديد من الرقيق ألخ: 0

"
ومن نتائج هذا المذهب (أي أن الحجاب كانت علته الرق ومقصده التفريق بين الحرة والأمة) أن الجلباب لا يؤمر به أصلًا حين لا يتعرض الفساق أو حين لا توجد إماء كما في هذا العصر، لانتفاء العلة! وإذا انتفت العلة انتفى المعلول وقد صرح بهذا بعض من كتب في موضوع المرأة من المعاصرين ... وبعبارة أخرى: إن الأمر كان لضرورة زمنية خاصة" ... فكأنه يريد أن يقول: إنه لا ضرورة الآن إلى الجلباب لزوال علته -بزعمه- بزوال الرق وبقاء النساء كلهن حرائر!" 0 . انتهى

وقد بدأ الشيخ الألباني في التطبيق العملي لهذا الحل "الفقهي" فورا في كتابه المذكور ص 90، حين كتب: 0

"
وقد أبان الله تعالى عن حكمة الأمر بإدناء الجلباب بقوله: ( ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) [ الأحزاب: 59 ] ، يعني أن المرأة إذا التحفت بالجلباب؛ عرفت بأنها من العفائف المحصنات الطيبات ، فلا يؤذيهن الفساق بما لا يليق من الكلام ، بخلاف ما لو خرجت متبذلة غير مستترة ، فإن هذا مما يطمع الفساق فيها ، والتحرش بها كما هو مشاهد في كل عصر ومصر . فأمر الله تعالى نساء المؤمنين جميعا بالحجاب سدا للذريعة ." 0


ومن الأدلة الأخرى التي تشهد على تلك "الحيلة" الفقهية هي ما كتبه المفسر العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله ت 1376هـ : (1957) (انتبه إلى التاريخ إذا سمحت: ست سنوات فقط بعد صدور كتاب الألباني، وخمس سنوات قبل إلغاء الرق)
قال عند تفسيره لقول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً } : (( هذه الآية هي التي تسمى آية الحجاب، فأمر الله نبيه أن يأمر النساء عموما ويبدأ بزوجاته وبناته ؛ لأنهن آكد من غيرهن ، ولأن الآمر لغيره ينبغي أن يبدأ بأهله قبل غيرهم كما قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا } أن { يدنين عليهن من جلابيبهن } وهن اللاتي يكن فوق الثياب من ملحفة وخمار ورداء ونحوه ، أي يغطين بها وجوههن وصدورهن ، ثم ذكر حكمة ذلك فقال: { ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين } دل على وجود أذية إن لم يحتجبن ، وذلك لأنهن إذا لم يحتجبن ربما ظن أنهن غير عفيفات فيتعرض لهن مَنْ في قلبه مرض فيؤذيهن ، وربما استهين بهن وظن أنهن إماء فتهاون بهن من يريد الشر ، فالاحتجاب حاسم لمطامع الطامعين فيهن )) اهـ . (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ـ 6 / 247 . أنتهى

وهنا نلحظ أن الشيخ قريب جدا من تفسير الشيخ الألباني للآية ، حينما فسر "أن يعرفن فلا يؤذين" بان المعرفة هنا يقصد بها العفة وإن كان ضميره لم يسمح له بعد بتجاوز ما استقر عليه التراث في تفسير هذه الآية من أن المعرفة هي معرفة الحرة عن الأمة فذكره أيضا ولكن متأخرا عن المعنى الذي ابتدعه الألباني، في مخالفة واضحة لما استقر عليه التراث الفقهي والتفسيري، فحاول أن يجد هذا الحل الوسط !!!!) 0


وقد تابع هذه "الحل السحري" تقريبا كل من فسر آيات الحجاب بعد ذلك، بحيث أصبح المشهور بين العامة – الذين لا يعرفون في أمور الفقه والتفاسير جيدا – أن الحجاب فرض لكي تعرف المرأة المسلمة بعفتها وطهارتها ، وهي أهم الأسباب التي تذكر لارتداء الحجاب، وسأكتفي بمثال واحد، وهو الشيخ الشعراوي الذي يعد واحدا من أهم من أسهم في نشر "ثقافة الحجاب" في مصر – برغم ما كان بينه وبين الألباني من الخلافإلا انه اتفق معه على اسقاط الظرف التاريخي الفقهي الخاص بالحرائر والإماء فقالأي الشعراوي - في تفسيره لسمورة الأحزاب: 0

ثم يُبيِّن الحق - تبارك وتعالى - الحكمة من هذا الأدب في مسألة اللباس، فيقول: * ذالِكَ... * [الأحزاب: 59] أي: إدناء الجلباب إلى الأرض، وسَتر الجسم، وعدم إبداء الزينة * أَدْنَىا... * [الأحزاب: 59] أي: أقرب * أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ... * [الأحزاب: 59].
فالمرأة المسلمة تُعْرف بزيِّها وحِشْمتها، فلا يجرؤ أحد على التعرض لها بسوء أو مضايقتها، فلباسها ووقارها يقول لك: إنها ليست من هذا النوع الرخيص الذي ينتظر إشارة منك، وليست ممَّنْ يَعْرض نفسه عَرْضاً مُهيِّجاً مستميلاً مُلْفتاً. انتهى


وكما هو واضح فقد "أغفل" الشيخ الشعراوي تماما وعن عمد الظرف التاريخي والمأثور الفقهي في تفسير هذه الآية في أن المعرفة المقصودة هنا هي معرفة الحرة عن الأمة وأضاف للآية تفسيرا لم يقل به جمهور المفسرين على الإطلاق ... فبالرجوع إلى كتاب تفسير أضواء البيان في ايضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي 6/395 (وهو بالمناسبة من أهم كتب التفسير بالمأثور وليس بالرأي مثلما فعل الألباني وتابعه غيره من العلماء) نجد الآتي: 0

"
أن عامّة المفسّرين من الصحابة فمن بعدهم فسّروا الآية مع بيانهم سبب نزولها، بأن نساء أهل المدينة كن يخرجن بالليل لقضاء حاجتهن خارج البيوت، وكان بالمدينة بعض الفسّاق يتعرّضون للإماء، ولا يتعرّضون للحرائر، وكان بعض نساء المؤمنين يخرجن في زي ليس متميّزًا عن زي الإماء، فيتعرّض لهن أولئك الفساق بالأذى ظنًّا منهم أنهن إماء، فأمر اللَّه نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يتميّزن في زيهن عن زي الإماء، وذلك بأن يدنين عليهن من جلابيبهن، فإذا فعلن ذلك ورآهن الفساق، علموا أنهن حرائر، ومعرفتهم بأنهن حرائر لا إماء هو معنى قوله: {ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ}، فهي معرفة بالصفة لا بالشخص." 0


والخطير في هذا الأمر يا أن هذا الأمر يهد التراث الفقهي المتعلق بعورة الحرة وعورة الأمة كله !!!!!!!!!!!!!0


وهنا أريد أن اسأل المعارضين: طالما أن الاحاديث هذه ضعيفة ، هل كان الفقهاء جاهلين بهذا؟؟؟

قد يرد أحدهم ويقول: ربما غاب عن أحدهم أحد طرق هذا الحديث أو ذاك !!! ولكن يجب ألا ننسى أننا نتحدث عن جمهور الفقهاء !!!!!!!!!!!!0 وليس فقيها واحدا أو اثنينكما أدعى الألباني حينما قال زلة عالم الخ، ولا نتحدث فقط عن الأقدمين، بل أيضا عن المحدثين الذين لا بد أن أحيطوا بكل طرق الأحاديث وأسانيدها ، فمثلا ابن عثيمين في في الشرح الممتع المجلد الثاني يقول: 0


الأَمَةُ - ولو بالغة - وهي المملوكة، فعورتها من السُّرَّة إلى الرُّكبة، فلو صلَّت الأَمَةُ مكشوفة البدن ما عدا ما بين السُّرَّة والرُّكبة، فصلاتها صحيحة، لأنَّها سترت ما يجب عليها سَتْرُه في الصَّلاة.

فالغاء تراث فقهي كامل بهذا الشكل سيفتح علينا باب جهنم. لماذا؟ لان السؤال المطروح سيكون وقتها:0

هل كل هؤلاء الفقهاء، وأرجو الانتباه أننا نتحدث عن علماء دين ، اي من هم يفهمون تماما أدواتهم الدينية ، هل كل هؤلاء الفقهاء كانوا ليسوا على دراية؟؟؟؟؟ ويا ترى أخطأوا في ماذا أيضا؟؟؟

وطائفة أخرى من الأسئلة: طيب سيدنا عمر الذي اشتهر بنزعه لحجاب الإماء، يا ترى كان جاهلا هو الآخر بهذا؟؟؟؟؟ وهو الذي بسببه نزل حجاب أمهات المؤمنين؟؟؟؟

وأما القول المنتشر: "ولا يستدلن أحد بفعل سيدنا عمر مع الإماء ، فليس فعل أي أحد حجة على دين الله بل لا بد من آية أو حديث صحيح صريح، و لقد علق الإمام بن حزم على هذا الفعل، وقال أن الروايات صحيحة ولكن هذا دليل على أن كل إنسان يؤخذ من فعله ويرد إلا الرسول الكريم." ، فهو قول في منتهى الخطورة، إذ أن الخلفاء الأربعة لهم منزلة خاصة في الإسلام وفي الفقه الإسلامي ولا يجوز مخالفة أحكامهم إلا إذا خالفهم صحابي آخر، ولا نكاد نعلم صحابيا أو فقيها – حتى قرار السعودية بإلغاء الرق – قد استنكر على سيدنا عمر ما كان يفعله ولو مرة واحدة، ولم يبدأ التطاول على هامة إسلامية مثل سيدنا عمر بن الخطاب إلا عشان خاطر عيون الحجاب !!!!!!!!!!!!!!0

وبالمناسبة، لا أعرف لماذا كل من يتستشهد بابن حزم لا يذكر أن ابن حزم نفسه في تفسيره للقرآن المعروف بتفسير البحر المحيط (ت 754 هـ) اعترف بسبب نزول الآية ولم ينكره: 0

"
كان دأب الجاهلية أن تخرج الحرة والأمة مكشوفتي الوجه في درع وخمار، وكان الزناة يتعرضون إذا خرجن بالليل لقضاء حوائجهن في النخيل والغيطان للإماء، وربما تعرضوا للحرة بعلة الأمة، يقولون: حسبناها أمة، فأمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء، بلبس الأردية والملاحف، وستر الرؤوس والوجوه، ليحتشمن ويهبن، فلا يطمع فيهن. وروي أنه كان في المدينة قوم يجلسون على الصعدات لرؤية النساء ومعارضتهن ومراودتهن، فنزلت." 0

وفي هذا الصدد يطرح السؤال نفسه وبقوة: لقد قال ابن حزم المتوفي في عام 1063 ميلادية – في مخالفة للمأثور الفقهي – بضرورة تساوي عورة الحرة والأمة ولم يستمع إليه تقريبا أحد من الفقهاء ، وظل جمهور الفقهاء يفرق بين عورة الحرة وعورة الأمة كل هذه القرون، فلماذا لم يبدأ الفقهاء المعاصرون في اعادة اكتشاف "جمال" ما كتب ابن حزم إلا عندما احتدمت نقاشات الحجاب، وهو نفسه ابن حزم، الذي ظل رأيه في ضرورة تساوي العورتين مهملا غير معمول به كل هذه السنين، يا ترى مصادفة؟؟؟؟؟ !!!!!!!0

0
أم أن "رجال" الدين لأن كان لهم مصلحة في تجارة الرق وفي التمتع بالإماء فقد سمحوا بهذا التفريق وأجازوه ولم يحركوا طرفة عين أزاءه ، ولكن عندما تعارضت المصالح وأصبح أمر أن تخلع النساء الحجاب وتتحرر من سيادة الرجل عليها وأمر المحاولات الأبدية لتحجيبها في خطر تحركت كل القوى الفقهية واجتمعت على قلب رجل واحد على مخالفة المأثور الفقهي وتكذيبه؟؟؟؟؟؟؟ لا أدري ، والإجابة لكم !!!!!!!!!!!!0

ثم سؤال آخر – للعودة مرة أخرى للألباني وما قام به من شطب لتراث فقهي استمر ما يزيد عن الألف وثلاثمائة عام – : وماذا نفعل بهذا الحديث الصحيح - الذي جوده أيضا الألباني نفسه - : 0

عن أنس بن مالك قال : كنا إماء عمر يخدمننا كاشفات عن شعورهن يضرب ثديهن - الراوي: أنس بن مالك - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: البيهقي - المصدر: السنن الكبرى للبيهقي، الجزء الثاني، صفحة 227


وماذا نفعل في هذا الحديث الصحيح أيضا: 0
رأى عمر أمة عليها جلباب فقال : عتقت ؟ قالت : لا ، قال ضعيه عن رأسك ، إنما الجلباب على الحرائر ، فتلكأت فقام إليها بالدرة ، فضرب رأسها حتى ألقته - الراوي: أنس بن مالك - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: ابن حجر العسقلاني - المصدر: الدراية - الصفحة أو الرقم: 1/124


ثم ماذا نفعل بكتب الفقه التي ذكرت واقعة سيدنا عمر المتعلقة بنزعه لحجاب الإماء؟؟؟؟ وماذا نفعل بكتب الفقه التي فرقت بين عورة الحرة وعورة الامة؟ هل نعلن أنها كتب فاسدة، أصحابها من الفقهاء المعتبرين كانوا لا يستطيعون التمييز بين الأحاديث والضعيف والقوي منها؟؟؟؟؟ !!!!!!!!!0


ثم ماذا نفعل في الاجماع الفقهي على التفريق بين الحرة والأمة - وقد قال الرسول : لا تجتمع أمتي على باطل؟؟؟؟؟ !!!!!!!!!!! 0


ثم الاخطر من هذا وذاك أن من ضعف أسانيد أسباب نزول آية الأحزاب انطلق من قاعدة منطقية فاسدة وهي أن النتيجة هي محصلة كل مقدمة على حدة، وهذا خطأ ما بعده خطأ، إذ أن النتيجة – أي نتيجة – هي مجموع المقدمات مجتمعة. 0

هل تعرفون أننا لو رضينا بهذا المنهج – أي التعامل بالقطعة مع كل حديث – هل تعلمون أننا لو رضينا بهذا المنهج لهددنا الفقه الإسلامي كله؟؟؟؟؟ طبعا معظم أنصار أن الحجاب فريضة لا يدركون خطورة هذا المنهج الذي اتبعه الألباني وغيره. دعني أضرب لكم مثلا: حديث "لا تجتمع أمتى على باطل" وهو الحديث العمدة الذي بني عليه مبدأ الإجماع الذي هو أحد أهم مصادر التشريع في الإسلام، هذا الحديث في كل طريق من طرقه ضعيف، أي نعم، ضعيف، ولكن لتعدد روايته – أو ما يطلق عليه التواتر المعنوي بحيث يستحيل تصديق اتفاق كل هذا العدد الكبير على الكذب – فقد تقوى هذا الحديث وتم تصحيحه ليكون حسنا بغيره ولو مشينا بطريقة الشيخ الألباني لكان من الواجب علينا أن نلغي مبدأ الإجماع هو الآخر !!!!!!!!!!!!0


إنه باب جهنم لو تعرفون

تحياتي لأولي الألباب

ابن رشد المصري